الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين} بالجدوب لقلة الأمطار والمياه، والسنة غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويؤرخ به، ثم اشتق منها فقيل أسنت القوم إذا قحطوا. {وَنَقْصٍ مّن الثمرات} بكثرة العاهات. {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} لكي يتنبهوا على أن ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم فيتعظوا، أو ترق قلوبهم بالشدائد فيفزعوا إلى الله ويرغبوا فيما عنده.{فَإِذَا جَاءتْهُمُ الحسنة} من الخصب والسعة. {قَالُواْ لَنَا هذه} لأجلنا ونحن مستحقوها. {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} جدب وبلاء. {يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} يتشاءموا بهم ويقولوا: ما أصابتنا إلا بشؤمهم، وهذا إغراق في وصفهم بالغباوة والقساوة، فإن الشدائد ترقق القلوب وتذلل العرائك وتزيل التماسك سيما بعد مشاهدة الآيات، وهم لم تؤثر فيهم بل زادوا عندها عتوًا وانهماكًا في الغي، وإنما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق لكثرة وقوعها، وتعلق الإرادة بإحداثها بالذات ونكر السيئة، وأتى بها مع حرف الشك لندورها وعدم القصد لها إلا بالتبع. {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله} أي سبب خيرهم وشرهم عنده وهو حكمته ومشيئته، أو سبب شؤمهم عند الله وهو أعمالهم المكتوبة عنده، فإنها التي ساقت إليهم ما يسوؤهم. وقرئ {إنما طيرهم} وهو اسم الجمع وقيل هو جمع. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ما يصيبهم من الله تعالى أو من شؤم أعمالهم.{وَقَالُواْ مَهْمَا} أصلها ما الشرطية ضمت إليها ما المزيدة للتأكيد، ثم قلبت ألفها هاء استثقالًا للتكرير. وقيل مركبة من مه الذي يصوت به الكاف وما الجزائية ومحلها الرفع على الابتداء أو النصب بفعل يفسره. {تَأْتِنَا بِهِ} أي أيما شيء تحضرنا تأتنا به. {مّنْ ءايَةٍ} بيان لمهما، وإنما سموها آية على زعم موسى لا لاعتقادهم ولذلك قالوا: {لّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي لتسحر بها أعيننا وتشبه علينا، والضمير في به وبها لمهما ذكره قبل التبيين باعتبار اللفظ وأنثه بعده باعتبار المعنى.{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان} ماء طاف بهم وغشي أماكنهم وحروثهم من مطر أو سيل. وقيل الجدري. وقيل الموتان. وقيل الطاعون. {والجراد والقمل} قيل هو كبار القردان، وقيل أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها. {والضفادع والدم} روي: أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يقدر أحد أن يخرج من بيته، ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم، وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم فلم يدخل فيها قطرة، وركد على أراضيهم فمنعهم من الحرث والتصرف فيها، ودام ذلك عليهم أسبوعًا فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك، فدعا الله فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزرع ما لم يعهد مثله ولم يؤمنوا، فبعث الله عليهم الجراد فأكلت زروعهم وثمارهم، ثم أخذت تأكل الأبواب والسقوف والثياب ففزعوا إليه ثانيًا فدعا وخرج إلى الصحراء، وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا، فسلط الله عليهم القمل فأكل ما أبقاه الجراد وكان يقع في أطعمتهم ويدخل بين أثوابهم وجلودهم فيمصها، ففزعوا إليه فرفع عنهم فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر، ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه، وكانت تمتلىء منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم وهي تغلي، وأفواههم عند التكلم ففزعوا إليه وتضرعوا، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ثم نقضوا العهود، ثم أرسل عليهم الدم فصارت مياههم دمًا حتى كان يجتمع القبطي مع الإسرائيلي على إناء فيكون ما يلي القبطي دمًا وما يلي الإسرائيلي ماء، ويمص الماء من فم الإِسرائيلي فيصير دمًا في فيه. وقيل سلط الله عليهم الرعاف. {ءايات} نصب على الحال. {مّفَصَّلاَتٍ} مبينات لا تشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته عليهم، أو مفصلات لامتحان أحوالهم إذ كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة أسبوعًا، وقيل إن موسى لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل. {فاستكبروا} عن الإِيمان. {وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ}.{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز} يعني العذاب المفصل، أو الطاعون الذي أرسله الله عليهم بعد ذلك. {قَالُواْ يَا موسىدع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} بعهده عندك وهو النبوة، أو بالذي عهده إليك أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك في آياتك، وهو صلة لادع أو حال من الضمير فيه بمعنى ادع الله متوسلًا إليه بما عهد عنك، أو متعلق بفعل محذوف دل عليه التماسهم مثل اسعفنا إلى ما نطلب منك بحق ما عهد عندك أو قسم مجاب بقوله: {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إسراءيل} أي أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن ولنرسلن.{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى أَجَلٍ هُم بالغوه} إلى حد من الزمان هم بالغوه فمعذبون فيه أو مهلكون، وهو وقت الغرق أو الموت. وقيل إلى أجل عينوه لإِيمانهم. {إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} جواب لما أي فلما كشفنا عنهم فاجؤوا النكث من غير تأمل وتوقف فيه.{فانتقمنا مِنْهُمْ} فأردنا الانتقام منهم. {فأغرقناهم فِي اليم} أي البحر الذي لا يدرك قعره. وقيل لجته. {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} أي كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم فكرهم فيها حتى صاروا كالغافلين عنها. وقيل الضمير للنقمة المدلول عليها بقوله: {فانتقمنا مِنْهُمْ}.{وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ} بالاستبعاد وذبح الأبناء من مستضعفيهم. {مشارق الأرض ومغاربها} يعني أرض الشام ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا في نواحيها. {التى بَارَكْنَا فِيهَا} بالخصب وسعة العيش. {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الحسنى على بَنِى إِسْرءيلَ} ومضت عليهم واتصلت بالانجاز عدته إياهم بالنصرة والتمكين وهو قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ} إلى قوله: {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} وقرئ {كلمات ربك} لتعدد المواعيد {بِمَا صَبَرُواْ} بسبب صبرهم على الشدائد. {وَدَمَّرْنَا} وخربنا. {مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} من القصور والعمارات. {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} من الجنات أو ما كانوا يرفعون من البنيان كصرح هامان وقرأ ابن عامر وأبو بكر هنا وفي النحل {يَعْرِشُونَ} بالضم. وهذا آخر قصة فرعون وقومه. اهـ.
|